فورمولا ١
نجم فريق ريد بُل ريسينغ هوندا يتربع على القمة، متوّجاً موسماً رائعاً بفوز مذهل في اللحظات الأخيرة من جائزة أبوظبي الكبرى.
بطل العالم للفورمولا واحد. أربع كلمات تصنع المجد في أهم فئات رياضة المحركات على وجه الأرض. أربع كلمات ستصبح لقباً دائماً لماكس فيرستابن بعدما نجح سائق ريد بُل ريسينغ هوندا في الفوز ببطولة السائقين للعام 2021، إثر انتصار مذهل في جائزة أبوظبي الكبرى يوم الأحد. وقد انتزع فيرستابن الصدارة من صاحب المركز الأول منذ بداية السباق لويس هاميلتون (مرسيدس) بتخطٍ في اللفة الأخيرة عند المنعطف الخامس، بعد دخول متأخر لسيارة الأمان إلى الحلبة إثر حادث تعرض له نيكولاس لاتيفي (وليامز). وانطلق فيرستابن إثر ذلك لتحقيق أكبر فوز دراميتيكي في تاريخ الجولات الأخيرة للبطولة، مختتماً بأروع أسلوب موسماً مميزاً في الفورمولا 1.
وحقق ابن الـ24 عاماً بذلك أول لقب له من سنوات مشاركته السبع في الفورمولا 1، ليخرج منتصراً بعد معركة ضارية امتدت على 22 سباقاً مع حامل اللقب هاميلتون، في موسم لا ينتسى نتج عن هذه المواجهة الثنائية الفريدة. ونتيجة لذلك، وبعد عشرة انتصارات لفيرستابن وعشرة انطلاقات من الصدارة و18 مركزاً على منصة التتويج، بات الهولندي ثاني بطل عالم من فريق ريد بُل، بعدما حمل سيبستيان فيتل اللقب أربع مرات متتالية بين عامَي 2010 و2013.
وأنهى لقب ريد بُل سلسلة انتصارات لمرسيدس امتدت على سبع سنوات متتالية تزامنت مع اعتماد محرك توربو الهجين سعة 1,6 ليتر منذ 2014، في حين أصبح فيرستابن أول بطل عالم هولندي والبطل الرقم 34 في تاريخ الرياضة الذي يعود إلى العام 1950.
"هذا أمر لا يصدّق"، قال فيرستابن.
وأضاف: "بقيت أقاتل طوال السباق وبالطبع كانت هذه الفرصة في اللفة الأخيرة... مذهلة. إنه أمر جنوني. هؤلاء الأشخاص هنا، فريقي، هوندا... يستحقون هذا الأمر. أحبّهم كثيراً. كانت هذه السنة مذهلة.
آمل أن نتمكن من فعل ذلك لفترة 10-15 عاماً.ما من سبب على الإطلاق للتغيير
وتابع فيرستابن: "بالنسبة إلى فريقي. أظن أنهم يعرفون أنني أحبهم، وآمل أن نتمكن من فعل ذلك لفترة 10-15 عاماً معاً. ما من سبب على الإطلاق للتغيير. أريد أن أبقى معهم لبقية حياتي."
وهذا هو اللقب الأول لهوندا منذ فوز أيرتون سينا عام 1991، وهو يأتي في السباق الأخير لصانع هذا المحرك مع الفريق.
مسك الختام
في معظم أوقات جائزة أبوظبي الكبرى، بدا وكأن أحلام فيرستابن في أن يصبح بطل العالم للفورمولا 1 ستتبخر في الجولة الأخيرة.
وبعدما انطلق من موقع الصدارة في البطولة ومن المركز الأول في سباق فاز فيه أصحاب المركز الأول عند الانطلاق طوال الأعوام الستة الأخيرة، وجد فرستابن نفسه على الفور يتراجع إلى المركز الثاني خلف هاميلتون الذي تخطاه قبل المنعطف الأول. وقد حافظ البريطاني على تقدمه رغم خروجه عن المسار قبل نهاية اللفة الأولى، بعدما فاجأه فيرستابن بهجوم سريع.
وبدا أن مرسيدس تسيطر على السباق رغم الاستراتيجيات المختلفة التي حاول فريق ريد بُل اعتمادها، مع قيام زميل فيرستابن سيرخيو بيريز بعمل مذهل ليقفز إلى المركز الثالث في اللفة الأولى. ومن ثم جعل هاميلتون يعاني في اللفة 20 ليتخطاه بعد دخوله لتبديل إطاراته. وسمح دفاع بيريز الرائع لفيرستابن بتقليص الفارق مع هاميلتون، وقد وصف الهولندي زميله المكسيكي بـ"الأسطورة" لدى حديثه مع الفريق خلال السباق.
لويس سائق رائع ومنافس رائع، وهم جعلوا المهمة صعبة جداً بالنسبة إلينا
وتواصل السباق على هذه الحال إلى حين توقفت سيارة الألفا روميو التي يقودها أنتونيو جوفينازي في اللفة 36 من أصل 58، ما تسبب بالإعلان عن فترة سيارة أمان افتراضية دخل خلالها فيرستابن لوضع إطارات جديدة بينما اختار هاميلتون البقاء على المسار. ورغم محاولاته، لم يتمكن فيرستابن إلا من تقليص الفارق بأجزاء من الثانية جولة تلو الأخرى بعدما كان هاميلتون متقدماً بـ17 ثانية، ليبدو أن سائق مرسيدس يقترب من اللقب.
ثم أتت اللحظة المفصلية التي شهدت اصطدام لافيتي بالجدار في المنعطف 14 من اللفة 53، ما تسبب بدخول سيارة الأمان فوراً، ليسارع فيرستابن إلى تجهيز سيارته بإطارات جديدة، فيما اختار فريق هاميلتون مرة أخرى بقاءه على الحلبة. وبعد رفع السيارة وإزالة المخلفات من على المسار، لم يكن يتبقى سوى لفة وحيدة، مع هاميلتون في المقدمة إنما بوجود فيرستابن مباشرة خلفه وبإطارات جديدة.
وما كان من الهولندي إلا أن تخطى البريطاني بمهارة عالية عند المنعطف الحاد الخامس، ليدافع بقوة عن تقدمه عند المنعطفين السادس والسابع، ويصد المحاولة الأخيرة لهاميلتون للعودة عند المنعطف التاسع. وانطلق من ثم نحو تحقيق الفوز بفارق 2,256 ثانية، في اللفة الوحيدة التي تقدم فيها الهولندي طوال السباق.
وشكلت هذه الجولة الأخيرة أفضل خاتمة لما هو ربما أروع مواسم الفورمولا 1 على الإطلاق.
هذا أبرز ما قيل
وجْه فيرستابن بعد السباق كان يعبر عن مزيج من مشاعر البهجة والإرهاق وعدم تصديق أن أكبر أهداف مسيرته قد تحقق، وبالطريقة التي حصل فيها.
وقال فيرستابن مستعيداً ذكريات الماضي: "كان هدفي عندما كنت صغيراً أن أصبح سائق فورمولا 1، وكنت آمل في تحقيق انتصارات، واعتلاء منصة التتويج، وعندما يعزفون النشيد الوطني، كنت آمل أن يكون نشيد بلادي."
وأضاف: "لذا عندما أقف هنا، ويقولون لي 'أنت بطل العالم'، فإن هذا أمر لا يصدق".
وتابع: "أستعيد مع والدي (سائق الفورمولا 1 السابق يوس فيرستابن) كل الأمور، من تمضية الوقت سوياً والسفر من أجل تحقيق هذا الهدف. ونجد أنفسنا هنا سوياً، وكل شيء يتحقق في اللفة الأخيرة. إنه سيناريو جنوني."
طوال السباق، حاولت أن أواصل الضغط، حاولت أن أتمسك بالأمل رغم أن الأمور لم تكن تسير على هذا النحو. لكن المعجزات تتحقق في بعض الأحيان
كان تماسك فيرستابن من السمات التي ميّزته وهو يتجه لإحراز أول بطولة للعالم، وهو كان سريعاً على قدر ما كان واقعياً وعملانياً، حتى عندما كان على مسافة أمتار من تحقيق أبرز أهداف مسيرته.
وعن هذا الأمر قال: "بالطبع ستكون متوتراً في يوم كهذا، ولكنه في نهاية المطاف ليس سوى سباق تريد أن تخوضه بأفضل طريقة."
وأضاف: "طوال السباق، حاولت أن أواصل الضغط، حاولت أن أتمسك بالأمل رغم أن الأمور لم تكن تسير على هذا النحو. لكن المعجزات تتحقق في بعض الأحيان."
وأشار إلى أن "لويس كان سائقاً مذهلاً ومنافساً مذهلاً، وهم جعلوا المهمة صعبة جداً بالنسبة إلينا. وسنعود العام المقبل بالتأكيد لنحاول إعادة الكرة."
وختم: "فقدت قدرتي على الكلام! لكن من الواضح أن الأمر مذهل."
وقال مدير فريق ريد بُل ريسينغ هوندا كريتسيان هورنر وهو يلبس قميصاً كتب عليه "فيرستابن بطل العالم": "ما حصل هو خير خلاصة لهذا العام."
وأضاف: "كان الأمر يحتاج تدخلاً من آلهة السباقات في اللفات العشر الأخيرة، وشكراً لك نيكولاس لاتيفي ولسيارة الأمان."
هذه البطولة حُسمت في اللفة الأخيرة، وكان الحسم بين يدي ماكس
وتابع هورنر: "كانت المنافسة مجنونة. كل الاحترام للويس، كان منافساً مذهلاً طوال العام، وهذا ما يجعل الفوز قيّماً إلى هذا الحد."
وأردف قائلاً: "هذه البطولة حُسمت في اللفة الأخيرة، وكان الحسم بين يدي ماكس. ضربة حظ أتيحت لنا مع سيارة الأمان، ونجحنا في اغتنام فرصة الفوز."
روح الفريق مثالية لدى شيكو
الترتيب النهائي لمرحلة أبوظبي سيذكر أن بيريز لم ينهِ السباق، للمرة الثالثة فقط طوال العام، لكن دور السائق المكسيكي كان أساسياً في وقت احتلت ريد بُل المركز الثاني في ترتيب الصانعين.
أدى بيريز دوراً مساعداً خلال التجارب الرسمية السبت مع احتلال فيرستابن المركز الأول عند الإقلاع، وفي اليوم التالي قفز إلى المركز الثالث في اللفة الافتتاحية متخطياً سائق ماكلارين لاندو نوريس.
وكان للمكسيكي دور أساسي في إعادة فيرستابن إلى المنافسة في منتصف السباق، وهو كان قريباً من اعتلاء منصة التتويج للمرة السادسة هذا العام قبل اضطراره إلى الانسحاب على مسافة ثلاث لفات من النهاية وفيما كانت سيارة الأمان تجول على الحلبة.
احتل بيريز مجدداً المركز الرابع الذي كان حققه في نهاية موسمه الأول مع الفريق في 2020، حين فاز في ثاني سباق جائزة كبرى في مسيرته في أذربيجان.
عن دوره الأساسي في منتصف السباق قال بيريز: "إنه فريقي، وفي النهاية كان ما فعلته أساسياً لأن هاميلتون كان يسيطر على السباق."
وأضاف: "لكان سباقه أصبح أسهل. كانت إطاراتي قد استهلكت، ولا أظن أنه كان في إمكاني أن أفعل أكثر لأصدّه، لكننا نجحنا في جعله يخسر بضع ثوان، وأظن أن هذا الأمر بدّل اتجاه السباق، وكان في وسع ماكس أن ينافسه استراتيجياً. وقد نجح الأمر في النهاية."
تسونودا يقدم الأفضل في الختام
وكان لفريق سكوديريا ألفا تاوري كذلك سبب للاحتفال في أبوظبي، بعدما حقق السائق الياباني الصاعد يوكي تسونودا أفضل مركز له في مسيرته عندما أنهى السباق رابعاً، محوّلاً المركز الثامن عند الانطلاق إلى 12 نقطة في نهاية المطاف.
وقد سجّل تسونودا 32 نقطة إجمالية في موسمه الأول، منهياً البطولة في المركز الـ14، ومتفوقاً على زميله في الفريق بيار غاسلي للمرة الأولى هذا الموسم في ياس مارينا.
ولم يكن غاسلي بين العشرة الأوائل في التجارب الرسمية للمرة الرابعة فقط طوال الموسم، لكنه حقق عودة صعبة في الجزء الأول من السباق ليجد نفسه مجدداً في قلب المنافسة على مراكز متقدمة.
وأنهى الفرنسي السباق في نهاية المطاف في المركز الخامس، خلف تسونودا بأقل من ثانية، مختتماً موسماً قدم خلاله أداءً ثابتاً أهّله ليكون تاسعاً في الترتيب النهائي برصيد 110 نقاط.
وكانت حصيلة النقاط الـ22 أفضل نتيجة لألفا تاوري في سباق واحد خلال العام، لينهي الفريق بطولة الصانعين في المركز السادس، معادلاً أفضل نتيجة له سابقاً (عندما كان اسم الفريق سكوديريا تورو روسو) في 2008 و2019.
وداعاً...
بالنسبة إلى البعض، كانت الجولة الأخيرة من الموسم في أبوظبي بمناسبة وداع لفرقهم الحالية؛ ولكن بالنسبة إلى آخرين، شكلت وداعاً للفورمولا 1.
في الحالة الأولى، سينتقل فالتيري بوتاس من مرسيدس إلى ألفا روميو لموسم 2022، وجورج راسل من وليامز إلى مرسيدس ليحل محل بوتاس. أما كيمي رايكونن، فقد أنهى مع فريق ألفا روميو، مسيرة في الفورمولا 1 امتدت على عشرين عاماً، ليكون أكثر السائقين خبرة في تاريخ الفورمولا 1، مع بلوغه القمة كذلك في 2007 حين فاز باللقب العالمي مع فيراري.
أما زميل رايكونن، جوفينازي، فقد وضع حداً لمسيرته في الفورمولا 1 التي اشتملت على 62 سباقاً، قبل الانتقال إلى الفورمولا إي في العام المقبل.
ماذا بعد؟ إثر تجارب ما بعد الموسم في أبوظبي في 14 و15 ديسمبر، يحل موعد استراحة مستحقة، قبل تجارب ما قبل موسم 2022 في برشلونة في 20 مارس من العام المقبل.